بي بي سي والعالم العربي- حيادية زائفة وأهداف خفية

المؤلف: محمد مفتي11.27.2025
بي بي سي والعالم العربي- حيادية زائفة وأهداف خفية

في حقبة السبعينات من القرن المنصرم، لم يكن عالم الإعلام بفروعه المتنوعة يشهد التطور والازدهار الذي نراه اليوم. لم تكن القنوات الفضائية، التي تبث إرسالها عبر الأقمار الصناعية، متوفرة كما هي الحال الآن، إذ كانت الأقمار الصناعية والكاميرات بمختلف أنواعها لا تزال في بداياتها. كان تأثير الإعلام الغربي في منطقة الشرق الأوسط محصورًا في بعض المحطات الإخبارية العالمية التي تبث عبر الراديو فحسب. وكان البث الإذاعي يمثل المصدر الرئيسي لتثقيف الجمهور العربي وتعريفه بالأحداث المستجدة، حتى تلك التي تحدث داخل نطاقه المحلي.

كانت إذاعة البي بي سي (BBC) من أبرز وأشهر هذه القنوات الإعلامية في نظر المستمع العربي. وكانت تبدأ بثها اليومي، قبل أي نشرة إخبارية، بصوت دقات ساعة بيج بن الشهيرة، يتبعها صوت مذيع النشرة وهو يقول: "هنا لندن". ولا شك أن العدد المحدود لتلك القنوات في ذلك الوقت كان يضمن لها تحقيق دخل جيد. لكن مع مرور الوقت، تغير كل شيء؛ فمع التوسع في استخدام الأقمار الصناعية، ازداد عدد القنوات الفضائية وتصاعدت المنافسة بينها. وبالتالي، فإن نجاح أي قناة في جذب عدد كبير من المشاهدين كان يعني تحقيق عائد مالي كبير يمكنها من الاستمرار. ومع ظهور عصر الإنترنت وتوسع المجال الإعلامي، وبروز وسائل التواصل الاجتماعي بجمهورها الهائل، تفاقمت التحديات التي تواجهها العديد من هذه القنوات، والتي أصبحت في أمس الحاجة إلى الحصول على خبر حصري يجذب إليها الجمهور الذي تشتت بين العديد من المنابر الإعلامية المتنافسة.

وللأسف، لم تجد العديد من هذه القنوات وسيلة أخرى سوى اللجوء إلى المحتوى الكاذب والمضلل لاستقطاب الجمهور. ولتحقيق ذلك، بدأت تستضيف كل من يطلق على نفسه لقب "ناشط" أو "معارض"، لكي تتمكن من خلالهم من تقديم محتوى يثير اهتمام الجمهور، حتى لو كان ذلك عن طريق تلفيق الأكاذيب المكشوفة أو تقديم أدلة واهية تفتقر إلى المنطق والعقل. ونتيجة للصعوبات المالية التي واجهتها قناة البي بي سي (BBC)، اضطرت إلى إغلاق بثها الإذاعي "هنا لندن". ومن أجل ضمان استمرارها في خضم هذا المنافسة الشديدة، بدأت قناة البي بي سي (BBC) التلفزيونية مؤخرًا في إنتاج ما تسميه "وثائقيات" عن العالم العربي، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية بطبيعة الحال.

في الكثير من المناسبات، تبث القناة برامج تتناول الشأن الداخلي السعودي. وعلى الرغم من أن الطريقة التي تدير بها الدول شؤونها الداخلية يفترض ألا تكون موضع تدخل من الآخرين، إلا أن القناة استمرت في إنتاج هذا المحتوى وعرضه بانتظام عبر بعض قنواتها المختلفة، منتقدة العديد من الأحداث دون أن تتحلى بحس نقدي عميق أو تقدم تحليلاً موضوعيًا يستند إلى الحقائق الفعلية وليس إلى الأكاذيب والأباطيل الواضحة.

لكن في ظل هذا الحماس الشديد الذي تبديه شبكة البي بي سي (BBC)، يتبادر إلى الذهن سؤال وجيه: لماذا لا تنتقد الأوضاع الداخلية في الدول الأوروبية؟ هل خلت الدول الأوروبية من المشاكل والعيوب ولم يتبق سوى المملكة العربية السعودية لتضعها في مرمى سهامها؟ لقد لفت انتباهي عرض القناة مؤخرًا لفيلم وثائقي انتقد تدخل المملكة في اليمن عام 2015 لحماية حدودها وأمنها من التوسع الحوثي. لكن الفيلم، كالعادة وكما كان متوقعًا، كان مبتورًا ومقتطعًا من سياقه ومنحازًا. فالصراع مع الحوثيين لم يبدأ عام 2015، بل بدأ قبل ذلك بأعوام طويلة. لكن المثير للدهشة حقًا هو أنه في الوقت الذي تبث فيه القناة هذا البرنامج، تشارك الطائرات البريطانية مع حليفتها الأمريكية في قصف المواقع الحوثية مؤخرًا، دفاعًا عن مصالحها وعن إسرائيل.

لا شك أن كل ما تدعيه هذه القنوات من حيادية وموضوعية ما هو إلا ستار زائف تتخفى خلفه لترويج أكاذيبها للجمهور. فالنقد أصبح مجرد عملية تجارية بحتة، فكلما زاد حجم النقد، كلما دل ذلك على ارتفاع المبلغ المدفوع مقابل توجيه هذا النقد. فهذه القنوات وغيرها هي قنوات ربحية تسعى إلى تعظيم أرباحها بكل الوسائل الممكنة، وهذا يعني بالضرورة أن هناك جهات ما تمولها وأن باب النقد مفتوح على مصراعيه لمن يدفع أكثر. وهنا يواجه قطاع الإعلام النزيه خطرًا حقيقيًا، وتتلاشى الموضوعية، وتتراجع النزاهة والمصداقية.

من المستحيل أن تكون الهجمات المنظمة الموجهة إلى المملكة العربية السعودية عفوية أو عابرة، فهذه الهجمات لا تتوقف وتشتد وتيرتها بين الحين والآخر، خاصة بعد كل نجاح تحققه المملكة في مسيرتها التنموية السريعة. فالإنجازات المتتالية التي تحققها المملكة بقيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان ساهمت في تبوُّء المملكة العربية السعودية مكانتها المستحقة إقليميًا ودوليًا، مما أثار قلق بعض الأطراف فيما يبدو. وهذه الأطراف لا تتوانى عن حشد مجموعة من الخونة الذين لا يهدفون إلا إلى توجيه سهام نقدهم المسموم إلى المملكة دون أي سبب أو مبرر واضح، ولا شك أن نفاذ ذخيرتهم من الأكاذيب قد أصابهم باليأس ودفعهم إلى اختلاق المزيد منها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة